هكذا كلٌ منّا إذ نال طبيعة جديدة بصليب ربنا يسوع المسيح التي بها أصبحنا شركاء الطبيعة الإلهية ( ) فإننا لن نرضي كل الأمزجة والميول والدوافع والنزعات والشهوات التي عند البشر ، وسنُرفض من أناس ونُقبل من أناس ...... وهذه كلها آلاماً وقد تُتَوّج باضطهادات بتحريض من عدو الله والخير أبليس اللعين ، وهذا ما حدث للكنيسة في الماضي ، وبذلك نصبح شركاء ليسوع المسيح في آلامه ويكون لنا في العالم ضيقٌ ، وهذا هو السبب الذي جعل يوحنا يقول : أخوكم وشريككم في الضيقة .
- وصبره . إن الصبر يؤهلنا إلى ملكوت السموات ، وهذا ما يذكرني بقول الرسول يعقوب : عالمين أن امتحان إيمانكم ينشئ صبراً ، وأما الصبر فله عملٌ تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء ( يع1: 3-4 ) . كما أن قول يعقوب هذا يذكرني بالامتحانات المدرسية ، فإن الطالب المجتهد الذي يدخل الامتحان الذي مدته ثلاث ساعات مثلاً ، وينتهي من الإجابة على كامل الأسئلة في ساعة ونصف فإنه لا يخرج من قاعة الامتحان إلا حينما تنتهي كامل الثلاث الساعات ، عسى وعلّ أخطأ في سؤال فيصححه ، أو أنقص جواباً فيكمله وإن هذا كله يحقق له نفعاً ، بمعنى أن هذا الامتحان علّمه الصبر فاستفاد بصبره أكثر فأكثر .
هكذا المؤمن إذ يصبر على الضيق ويراجع حساباته مع نفسه مراراً لكي كلما اكتشف ضعفاً أونقصاً ما وأكمله ، فإن هذا الصبر يؤدي به إلى عمل تام وكامل وبالتالي يستطيع أن يسعى من أجل تحقيق قوله له المجد : كونوا كاملين كما أن أباكم السموي كامل ( مت5: 48 ) .
- كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس .
إن جزيرة بطمس هي جزيرة في الأرخبيل الرومي تسمّى الآن ( بطمو ) على بعد 30 ميلاً تقريباً جنوب ساموس على شاطئ آسيا الصغرى الجنوبي للغرب ، كان الرومان ينفون إليها المجرمين والمقلقين للإمبراطورية . وإذ أن يوحنا كان رسولاً للمسيح وكان مبشراً وكاروزاً وكان ذو أثر فعال في تنشيط وتنمية وثبات الإيمان وانتشاره وهذا ما كان يزعج الوثنية لذا فقد اعتبره الإمبراطور الروماني آنذاك دومتيان أنه رجل مقلق مثير للشغب ويحرّض الناس ضد العبادة الوثنية ، فقام بنفيه إلى تلك الجزيرة . ويرجّح أن يوحنا نفي إلى تلك الجزيرة سنة 94م .
تربة تلك الجزيرة مجدبة لان أكثر أراضيها صخور قاحلة مغطاة بقليل من التراب قيل أنها بقايا بركانية ، وعلى مسافة من الشاطئ صومعة داخلها كهف يظن أن يوحنا كتب فيه سفر الرؤيا .
- من أجل كلمة الله ، ومن أجل شهادة يسوع . أي أن جريمتي ( يقول يوحنا ) كانت الشهادة ليسوع وكلمته الإلهية. إن هذه الآية تذكرني بما قاله ربنا يسوع المسيح له المجد : طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين ( مت5: 11 ) .
نعم إن نفي ( طرد ) يوحنا كان من أجل يسوع المسيح . وإنه كان منفياً إلى تلك الجزيرة لكي لا يعود حياً نظراً لكونها جزيرة جرداء لا حياة فيها . بمعنى أن دومتيان إذ نفاه إليها فإنه عملياً قدم خدمة لآلهته الوثنية الشيطانية بأنه تخلّص منه . لكن يوحنا عاد حيّاً ولم يمت في تلك الجزيرة ، وهذا ما يذكرني أيضاً بقول الرسول بولس : إذا كان الله معنا فمن علينا ( رو8: 31 ) .
وإذ أن يوحنا احتمل عذابات واضطهادات من أجل كلمة الله وشهادة يسوع المسيح فإنه بذلك قدّم لنا تعزية وتشجيعاً وهو أننا كل ما احتملنا الضيق وآلام هذه الحياة بصبر وإيمان معتبرين أننا نشارك المسيح آلامه فإننا بالتأكيد نكون قد استحقينا أن نتمتع بالاعلانات الإلهية في ملكوت السموات .
هذا وإن ما يجب على المؤمن أن ينتبه إليه هو أنه لا أروع ولا أطيب ولا أثمن من مناظر ملكوت السموات ، وهذا ما عبر عنه الرسول بولس بالقول : إن آلام هذا الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله ( رو8: 18-19 ) .
10- كنت في الروح في يوم الرب وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق .
- كنت في الروح . إن هذه العبارة تذكرني بحديث الرسول بولس في ( 2كو12: 2 ) حينما ذكر بأنه اختُطف إلى الفردوس إذ قال : أعرف إنساناً في المسيح قبل أربعة عشرة سنة في الجسد لست أعلم ، أم خارج الجسد لست أعلم . الله يعلم .
بالتأكيد أنه حينما اختُطف الرسول بولس إلى السماء الثالثة لم يكن بالجسد بل بالروح ، وإن هذه هي حالة من السمو الروحي ، وهي الخروج من رباطات الحواس الجسدانية التي تجعل صاحبها منجذب إلى الأرض دائماً . هذه الحالة أيضاً كانت تحدث للأنبياء والرسل والقديسين حيث كان يرقى من كانت تحدث له هذه الحالة إلى مستوى الشفافية يمكنه حينها إدراك المناظر السماوية والاطلاع على ما في المستقبل ، فيرى ما لا يستطيع الانسان العادي أن يراه . لماذا ؟
لأن رباطات الحواس الجسدانية إذ تجذب صاحبها إلى الأرض دائماً فإن صاحبها يظل في إطار رباطات الحياة الجسدية التي لا وجود لها في العالم الروحي إطلاقاً وبالتالي لا يستطيع أن يرى المناظر الإلهية مادام في الجسد .
- في يوم الرب .
ما هو يوم الرب ؟
يوم الرب هو ثلاثة أيام .
الأول : هو اليوم الأسبوعي المخصص للعبادة .
الثاني : هو يوم الممات حينما سيأتيه ملاك الرب في يومٍ ويخرج روحه من جسده آخذاً إياها إلى السماء .
الثالث : هو يوم القيامة حينما سيأتي ربنا يسوع المسيح بمجده ويقيم الموتى ويجمع الناس أمامه ويفرز الصالحين من الطالحين . فالصالحين إلى الحياة الأبدية والطالحين إلى العذاب الأبدي ( مت 25 ) .
وإن يوم الرب المقصود بحديث يوحنا هو اليوم الأسبوعي المخصص للعبادة .
جاء في إحدى الوصايا العشر : اذكر يوم السبت لتقدسه . ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك ، لا تصنع فيه عملاً ما . لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع . لذلك بارك الرب الإله اليوم السابع وقدسه ( خر20 : 8-11 ) . وقد تكررت هذه الوصية في تث5: 12-14 ) .